مستقبل غزة ما بعد الحرب يضع حماس في مفترق طرق
فيما يواصل جيش الإحتلال عمليته العسكرية والتي يحدد فيها هدف القضاء على حركة المقاومة الإسلامية حماس على رأس أولوياته، تبدوا الأوضاع على الأرض معقدة مع غياب عامل الحسم، وبما أن الحرب تقترب من شهرها الرابع ومع هول الكارثة الإنسانية التي لحقت بقطاع غزة والتي أثرت بشكل كبير على الموقف الغربي الداعم لإسرائيل، بالإضافة الى إزدياد الضغط الشعبي داخل إسرائيل ضد حكومة نتنياهو فإنه يمكن القول أن هذه العوامل صالح حماس التي تركز على عامل الزمن كحل وحيد للخروج من هذه الحرب، لكن هل سيكون بإمكانها التواجد في المشهد السياسي لما بعد طوفان الأقصى ؟
كان من بين السيناريوهات المطروحة لمستقبل ما بعد الحرب الخطة الإسرائيلية تقضي بوضع قطاع غزة تحت إشراف سلطة عسكرية تفتح الباب لعودة الاستيطان لكن المراقبين والمحللين قللوا من شان هذه الخطة بالنظر لمعارضتها أمريكيا ترى فيها إدارة بايدن مشروعا خطيرا يؤدي إلى اختلال علاقة الادارة الأمريكية بشركاءها في المنطقة وعلى رأسهم قطر و يجهز على ماتبقى من بصيص أمل لحل الدولتين، كما برز أيضا مقترح تشكيل قوة حفظ سلام متعددة الجنسيات لإدارة قطاع غزة لكنه أجهض مبكرا اذ انه لم يتلقى تجاوبا لا من حكومة نتنياهو ولا من السلطة الفلسطينية اذ تراه اسرائيل مقترحا عديم الجدوى تراه سلطة رام الله على أنه محاولة فصل جديدة مابين الضفة وغزة .
برزت الى العلن المبادرة المصرية لوقف إطلاق النار في غزة وتضع المرحلة الثالثة منها تصورا للمشهد السياسي في غزة مابعد الحرب حيث تقترح القاهرة تشكيل حكومة تكنوقراط في قطاع غزة والضفة الغربية تتشكل من قوى فلسطينية متنوعة من بينها حماس، لكن مصر اضطرت الى تعديلها بعد مطالبة الأطراف الفلسطينية بارجاء الحديث عن البند الثالث منها على اعتبار أن المسألة تتعلق بشؤون داخلية فلسطينية ينبغي أن تناقش في إطار الحوار مابين الفصائل وهنا ستعود أكثر المسائل المعقدة لتطفو من جديد في وضع بالغ الدقة والحساسية .
الاجتماع الاخير للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بحث إمكانية انضمام حركة حماس للمنظمة وقدم أربعة شروط ينص رابعها على أن المقاومة الشعبية هي الشكل المناسب والملائم لهذه المرحلة، لكن هذا الشرط لا ينفي أحقية الفلسطينيين بممارسة جميع أشكال النضال اذ انه يربط مسألة المقاومة الشعبية بمسألة الظرف فقط وهو الأمر الذي يبقى مسألة سلاح المقاومة خارج الحسابات ما يعني أن اسرائيل لن ترى في مسألة انضمام حماس لمنظمة التحرير وإعترافها باسرائيل اختراقا كبيرا في عملية السلام بل سترى فيه مجرد تكتيك مرحلي سيجبرها على البقاء في حالة الترقب والترصد .
تجد حماس نفسها اليوم في مفترق طرق وقد لا يسعها الوقت للمناورة أو لتضييع الفرص ففي حين يستمر الجناح العسكري في المكابرة بارجاء الحديث عن التسوية مادامت الحرب لم تحدد الطرف الفائز بعد ومادام بالامكان أن تجلب التطورات الميدانية موقفا تفاوضيا مريحا، يرى الجناح السياسي أنه من الضرورة أن تشارك الحركة في أي نقاشات تحدد مصير قطاع غزة مابعد الحرب وأنه لا مناص من تقديم تنازلات تضع حدا للإشكالات ونقاط الإختلاف التي تكتنف مسألة الإنضمام الى منظمة التحرير الفلسطينية بل ان هذا الانضمام هو الخيارالوحيد الذي يضمن لحماس تواجدا في المحادثات مع المجتمع الدولي خاصة وأن موقف الحركة ازداد سوءا بعد السابع من أكتوبر، لكن المشكلة تكمن في مدى تجاوب الأجنحة داخل بيت حماس مع مايستوجبه الإنضمام لبيت المنظمة و التقيد بالتزاماتها المختلفة والتي من بينها مسألة السلام والاعتراف بإسرائيل خاصة وأن الجناح المحسوب على إيران لايرى في مثل هذه الخطوة سوى اعلانا عن قطع حبل الود بين الحركة و طهران .
أمام هذه المرحلة المفصلية التي تضع مستقبل حماس على المحك ليس فقط قطاع غزة بل في المشهد الفلسطيني ككل، فإن تلبية شروط الإنضمام الى منظمة التحرير الفلسطينية لم يعد خيارا بقدر ما هو ضرورة فرضها طوفان الأقصى بنتائجه العكسية التي وضعت حماس في موقف حرج، سيفتح هذا الباب لاحتمالين : إما لإنعطاف تاريخي في مسار الحركة سيدفعها الى تعديل وثيقة المبادئ والسياسات العامة بما أو لانقسام داخلي سيدفع المعارضين للثورة ضد هذا الخيار واستنساخ حركة جديدة تتبنى نفس الخطاب الراديكالي الذي قامت عليه حماس في سنة 1987 .